السبت، 2 نوفمبر 2013

السيرة الذاتية



بسم الله الرحمن الرحيم

سيرتي الذاتية

الحمد لله رب العالمين والصل ة والسل م على أشرف البنبياء

والمرسلين بنبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .

وبعد : استجابة لما طلبه مني الأخ المحرر في مجلة العدل

الغراء التي تصدرها وزار ة العدل الإجابة على الأسئلة التي وجهها لي

إل

الخاصة بسير ة حياتي في طلب العلم والعمل وما حصل لي فيها من

المواقف والتجارب التي قد يستفيد منها من يطلع عليها

لذا فإبنني استعنت بالله وقمت بتدوين بعض مما استذكرته من

ذلك لعل الله أن ينفع به من يطلع عليه و يأخذ من ذلك العبر ة

والذكرى ، وليعذربني المحرر في عد م اللتزا م بترتيب السئلة التي

وضعها حيث تجاوزت في ذلك فقدمت وأخرت ، وتوسعت في بعض

الجابة واختصرت في البعض الخر حسب ما يقتضيه المقا م .

إن البنسان يمر عبر حياته بمحطات يكون له فيها ذكريات

وبنشاطات معينة ووقفات يتطلبها ظرف الزمان والمكان ، وهي ل

تخلو من أحداث و ذكريات تبقى بعضها عالقة بالذهن والبعض الخر

يجد ما ينسي بها ، لكن البنسان ل يشعر بقيمة وحجم الحداث

والحوادث وقت حدوثها لبنها تكون جزءا من بنشاط حياته اليومية التي

ل بد له من القيا م بها وإبنما يشعر بها حين يستعيد ذكراها بعد ما يتغير

الحال ل سيما إذا حصلت بنقلة هائلة تغير معالم الماضي ، وتتغير معه

الحوال والظروف والمكابنيات كما هو الشأن في النقلة الحضارية

الهائلة التي شهدتها بلدبنا الغالية المملكة العربية السعودية في

العقود القريبة الماضية التي تغير معها أسلوب الحيا ة في طلب العلم

والعمل وفي أسلوب المعيشة وكافة مجالت الحيا ة ، وتغير أسلوب

البنسان في المعيشة ومتطلبات حياته ، وفي التعليم والثقافة

والتفكير والعمل وفي جميع مناحي الحيا ة .

إن تجارب البنسان في مسير ة حياته في تكوين شخصيته أو

في أسلوب حياته وفي عمله قد ل يخلو من فائد ة يستفيد منها من

يطلع عليها ل سيما إذا كابنت تلك التجارب في مجال عمله الذي يتطلع

فيه إلى تطوير أدائه والستفاد ة من تجارب الخرين وما كان لهم من

مرئيات وبنصائح ، ولو لم يكن من ذلك إل معرفة حال الناس في ذلك

الزمان والمكان الذي وقعت فيه تلك الحداث لكفى ، لذلك جرى مني

الحديث عن تجربة حياتي في طلب العلم والعمل وبالخص في مجال

القضاء استجابة لطلب من طلب مني ذلك عسى الله أن ينفع به من

يطلع عليه .

سيرتي في طلب العلمولدت في فيفاء في منتصف عا م 1357 هـ وبنشأ ة مع الوالدين

والخو ة ، وكان التعليم في ذلك الوقت بنادرا وإن وجد فهو مقتصر

على تعلم القرآن وشيء من الكتابة ، وكابنت فيفاء أسعد حظا في

التعليم من غيرها من البلدان المجاور ة لها وذلك لمور حدثت جعلها

الله سببا لذلك أشير إليها باختصار لن فيها عبر ة وإشاد ة بأهل الخير

ليذكروا فيدعى لهم .

كان الجهل في العقيد ة والعباد ة والخل ق قبل العهد السعودي

في المنطقة وفي غيرها قد بلغ حدا ل يصد ق وأصبح المعروف منكرا

والمنكر معروفا .

في هذا الجو المظلم بالجهل في المنطقة بصفة عامة ،

وفيفاء وما يشابهها في الظروف أسوأ لكوبنها جبلية معزولة عن

غيرها ول يصل إليها غير أهلها إل ما بندر ، فهي بعيد ة عن التأثر

بالصالحين لكن الخير ل يزال في أمة محمد صلى الله عليه وسلم في

كل زمان ومكان ففي هذا الجو كان الشيخ / يحيى بن شريف السنحان

الفيفي جد شيخ الشمل الحاضر قد هداه الله وبنور بصيرته ، وكان

رجل عاقل مدركا لخطر الجهل والظلم والمنكرات المتفشية بين

الناس ، ولم تكن فيفاء كغيرها خاضعة لسلطة حاكمة بل تدار المور

وتحل النزاعات من مشائخ القبائل بالعراف الموجود ة بينهم ، وقد

أحس عقلء القو م بأبنهم في حاجة إلى شيخ يلتفون حوله يكون قادرا

على ضبط المور ومقابلة مشائخ القبائل الخرى وإبرا م القواعد

العرفية معهم وهي التي يحتكمون إليها فيما شجر بينهم ، فطلبوا

منه أن يتولى الشيخة عليهم فاشترط عليهم شروطا إصلحية منها أن

يحافظوا على الصل ة ، ويتركوا الحتراب فيما بينهم ، وأن يتركوا

ختان التجليد ويكتفوا بختان السنة ، وأن يتركوا لبس السواد إلى غير

ذلك فلم يقبلوا في بادئ المر شروطه فغضب عليهم وأخذ أولده

وهاجر إلى اليمن وكان البلد الذي هاجر إليه يوجد فيه هجر ة للتعليم

فعلم أولده ، واستفاد من جو العلم والتدين السائد في ذلك البلد وما

هي إل فتر ة حتى شعر الناس بالحاجة الملحة لوجوده بينهم فذهبوا

إليه في البلد الذي هاجر إليه وطلبوا منه العود ة لتولي الشيخة عليهم

والتزموا بالشروط التي اشترطها عليهم وأعطوه العهود والضمناء ،

فعاد وعاد معه أولده وكابنوا قد تعلموا فكابنوا البذر ة الولى للتعليم

والصل ح ، وكابنوا السو ة والقدو ة لغيرهم , وكان قد تعرف على بعض

طلبة العلم فأخذوا يأتون إليه وكابنوا يعلمون الناس ويرشدوبنهم ،

وهاجر أفراد من أبناء فيفاء لطلب العلم في اليمن فابنتشر التعليم

والتدين بين الناس ، ولما توفي ـ رحمه الله ـ تولى الشيخة بعده ولده

الشيخ / على بن يحيى وكان رجل عاقل حكيما متدينا فنهج بنهج أبيه ،

وكان له السبق في التصال بالملك عبد العزيز آل سعود ـ رحمه الله ـ

وهو ل زال في بنجد وذلك بواسطة صديقه ابن دليم شيخ قبائلقحطان ولما دخلت المنطقة تحت ولية الملك عبد العزيز توطدت

العلقات بينه وبين الملك عبد العزيز ورجالته ، وقد تولى إمار ة فيفاء

أمراء صالحون فتعاون معهم على بنشر التعليم بين الناس وإرشادهم

والمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

وفي عا م 1363 هـ صعد فيفاء الداعية المصلح الشيخ / عبد

الله القرعاوي ومعه مجموعة من طلبة العلم منهم الشيخ / حافظ

الحكمي وحسين بنجمي ومحمد القربني وغيرهم وافتتح أول مدرسة

في فيفاء وهي أول مدرسة سلفية وعهد بالتعليم فيها للشيخ / محمد

بن يحيى القربني يعاوبنه قاضي فيفاء الشيخ / عبد الرحمن الطربا ق

وكاتب المار ة أحمد الميرابي ، وكان من طلبة هذه المدرسة شقيقي

الشيخ / علي بن قاسم الفيفي وكان قد حفظ القرآن فازداد له حفظا

وتعلم مبادئ العلو م ، ووقع عليه الختيار للهجر ة لطلب العلم في

المدارس الرئيسية للشيخ القرعاوي التي تتنقل ما بين سامطة وضمد

والسلمة وبيش ، وتوقفت مدرسة فيفاء لعد م وجود من يقو م

بالتعليم فيها .

وفي عا م 1369 هـ عاد ال خ علي إلى فيفاء وأعاد فتح

المدرسة بأمر من شيخه عبد الله القرعاوي ، وقا م بالتعليم فيها

وكنت أحد طلبها ، وقد اهتم بتعليمي ، وبعد فتر ة طلب منه شيخه

حافظ الحكمي الرجوع للدرس واللتحا ق به في بيش لستكمال

تعليمه وكنت أرافقه في بعض سفراته ، وقد واصلت التعليم على يديه

وفي مدارس القرعاوي في بيش وسامطة .

ولما افتتح المعهد العلمي في سامطة عا م 1374 هـ التحقت

بالقسم التمهيدي فيه وواصلت التعليم حتى تخرجت منه في العا م

الدراسي 1383 / 82 هـ ، وقد حصل مني ابنقطاع في هذه المرحلة

لفتر ة بسبب الزواج والوظيفة التي التحقت بها في محكمة فيفاء

لكنني بعد حصولي على الشهاد ة الثابنوية رغبت في مواصلة الدراسة

فاستقلت من الوظيفة والتحقت بكلية العلو م الشرعية بالرياض .

في هذه الفتر ة استفدت بالدرجة الولى من شقيقي الشيخ /

علي بن قاسم الفيفي الذي ابتدأت التعليم على يديه وتابع تعليمي

باهتما م في جميع مراحل التعليم ، كما استفدت من المشايخ الذين

تعلمت على أيديهم أو حظيت بتوجيهاتهم أو التأثر بهم ولو من باب

العجاب ومنهم : الشيخ عبد الله القرعاوي والشيخ حافظ الحكمي ،

والشيخ محمد بن أحمد الحكمي ، والشيخ بناصر خلوفة والشيخ أحمد

بنجمي والشيخ حسين بنجمي وغيرهم كثير رحم الله من مات منهم

ووفق من بقي لكل خير .

في كلية الشريعة استفدت كثيرا لبنني كنت منقطعا للتعلم

وقد هيأت بنفسي لذلك عن رغبة واستفدت من المشايخ الكبار الذينتلقيت التعليم على أيديهم ومن أبرزهم: الشيخ / عبد الرزا ق عفيفي ،

والشيخ / مناع القطان ، والشيخ / عبدالله الغديان ، والشيخ/ صالح

الفوزان وغيرهم.

وبعد التخرج من الكلية عينت ملزما في المحكمة الكبرى

بالرياض وكان رئيسها آبنذاك : الشيخ / صالح بن محمد اللحيدان ، وهو

يمتاز بالدب الجم والخلق الرفيع مع الحز م والتزا م النظا م في العمل

فاستفدت منه القدو ة والسو ة ، وكنت في العمل ملزما عند فضيلة

الشيخ / محمد البدر وهو يمتاز بالخلق والدب الرفيع مع التمكن من

الجراءات القضائية مما أفادبني كثيرا في أسلوب عمله مع أبنه كان

يعاملني كزميل له ولم يأمربني بقوله : افعل هذا أو لماذا فعلت هذا ،

وإبنما يعرض علي ما يريد عمله بأسلوب مؤدب ـ جزاه الله خيرا ـ كابنت

مد ة الملزمة في ذلك الوقت سنة واحد ة ، وقد أحسن المسئولون

عندما جعلوها ثلث سنين لكي يتمكن الملز م من استيعاب الجراءات

المطلوبة للقضاء في أبنواع تخصصاته ، ولتذهب مع الممارسة الهيبة

من تولي القضاء وحبذ 1 لو جعل جزء من الملزمة ولو كان يسيرا في

محكمة التمييز في أقسامها الثلثة : الحقو ق والجزائيات والحوال

الشخصية حتى يتعرف على مواقع الملحظات على الحكا م ليستفيد

من ذلك عند العمل فيحكم أحكامه .

كان المعهد العالي للقضاء في الرياض قد افتتح والدراسة فيه

مسائية مما أتا ح لي ولغيري اللتحا ق به فالتحقت به وكنت مع الدفعة

الثابنية ، والدراسة فيه سنتان بنظريتان والثالثة يقد م فيها الدارس

رسالة لكي يحصل على درجة الماجستير ، ابنتهت سنة الملزمة بعدما

بنجحت من السنة الولى وعينت قاضيا لمحكمة المند ق وبلغت

بالمباشر ة في تلك المحكمة ، وكان رئيس القضا ة يومئذ سماحة

الشيخ / محمد بن إبراهيم آل الشيخ ، وذلك قبل أن تنشأ وزار ة العدل

، وكان رجل حازما مهيبا فالتمست منه بأن أبقى ملزما حتى أكمل

الدراسة فلم يوافق ، وقال : إن الذين عينت عندهم في حاجة وما

عندك من العلم فيه البركة ويكفي ، فالتمست عذرا آخر حيث كابنت

زوجتي في حال حمل ل تستطيع السفر معي ، وهي في وضع يتطلب

مراجعتها للمستشفى بابنتظا م ، فصليت معه فجر يو م وصحبته في

طريقه إلى بيته وشكوت له حال زوجتي فتفهم عذري وأمربني بأن

أكتب خطابا بذلك وأسلمه لمدير مكتبه الشيخ / عثمان الحقيل ففعلت

ذلك ، فتركت وشأبني ودخلت السنة الثابنية في المعهد وواصلت

الدراسة .

في هذه الثناء مرض سماحة الشيخ / محمد بن إبراهيم آل

الشيخ وكان رجل مهيبا كما ذكرت بل جبل شامخا يصد ما وراءه عرفت

ذلك لبنني لم أبلغ في فتر ة مرضه بأي تعميد بالمباشر ة فنجحت منالسنة الثابنية في المعهد وسجلت الرسالة وكتبتها حتى لم يبق سوى

مراجعتها مع المشرف وطباعتها ، ولما توفي ـ رحمه الله ـ وكلف

بعمله بنائبه سماحة الشيخ / راشد بن خنين ـ حفظه الله ـ ابنهد م ذلك

الجبل الذي كان يصد عني المطالبة بالمباشر ة وابنهالت علي الوامر

شبه يوميا بوجوب المباشر ة ، فطلبت من الشيخ / راشد بن خنين أن

أمهل حتى أبناقش الرسالة فاعتذر وقال : إن الذي كان يقدر على ذلك

قد مات وبنحن بننفذ أوامر وعليك أن تباشر وإل أوقف راتبك فقلت له :

فليوقف راتبي ، وكان كذلك ، وبعد فتر ة ابنعقد المجلس العلى ا

إذ ً

للقضا ة وعرض موضوعي عليه وصدر قرار بإلغاء تعييني على المند ق

وأن أبقى ملزما في المحكمة الكبرى بالرياض حتى أبنتهي من

دراستي .

وبعد تخرجي من المعهد العالي للقضاء في عا م 1390 هـ

عرض علي رئيس المحكمة الشيخ / صالح اللحيدان بندبي للعمل في

محكمة أ م القيوين بدولة المارات العربية المتحد ة ، فقلت له : إبنني ل

أعرف تلك الجهة ول أعلم ما الخير فيه لكنني أصبحت جاهزا للعمل

في أي مكان يرون أبنني صالح للعمل فيه ، وصدر القرار من المجلس

العلى للقضاء بندبي للعمل قاضيا في المحكمة المذكور ة ، وباشرت

عملي فيها في شهر صفر من عا م 1391 هـ

بعد ما استقر بي المقا م في أ م القيوين كان عندي متسع من

الوقت للدراسة والبحث فرغبت إكمال الدراسة العليا وتقدمت لكثر

من جهة تعليمية في المملكة لكي أسجل للدكتوراه فلم أحصل على

قبول لصعوبة الشروط المطلوبة ، ولوجود جابنب من الدراسة بنظري

ولبعدي خارج المملكة لذلك لم أتمكن من الدراسة في المملكة فاتجه

بنظري إلى الزهر ، وسافرت إلى القاهر ة وقبلت في الدراسات العليا

بكلية الشريعة بجامعة الزهر ، وسجلت دراستي في علم الصول ،

وأكملت الدراسة وحصلت على شهاد ة الدكتوراه في عا م 1404 هـ ،

وقد أتاحت لي الدراسة في الزهر والتع ّرف على علماء فضلء

والحتكاك بهم والستفاد ة منهم ، كما تعلمت أسلوب البحث والكتابة .

كابنت هذه هي سير ة حياتي في طلب العلم ، وهي ل تخلو في

بعض الحوال من التعب والمشقة لكنها أيضا ل تخلو من المتعة

والفائد ة لبنها تتعلق ببناء الذات .

سير ة حياتي العملية

التحقت بالعمل ملزما قضائيا في المحكمة الكبرى بالرياض ،

وقد امتدت ملزمتي من شهر شعبان عا م 1387 هـ إلى آخر عا م 1390

هـ مما أتا ح لي فرصة الستفاد ة من أصحاب الفضيلة القضا ة في

المحكمة وكيفية الجراءات القضائية .ومع بداية عا م 1391 هـ باشرت عملي في محكمة أ م القيوين

بدولة المارات العربية المتحد ة ، وقد مكثت في هذه المحكمة إلى آخر

عا م 1410 هـ ، وكنت أكلف بعمل محكمة رأس الخيمة ، ومحكمة

عجمان ، ومحكمة فلج المعل في فترات لعد م وجود قاض فيها أو يكون

في إجاز ة .

ومن المعلو م أن عمل القاضي ليس عمل وظيفيا بحتا بل عليه

واجبات ينبغي عليه القيا م بها لكوبنه متعلما ويشغل مركزا محترما عند

الناس ، فالقاضي هو رمز للعلم وللسلطة ، وهو محل الحترا م

والتقدير من أغلب الناس ينبغي أن يؤدي رسالته الذي هيأه الله لها.

لقد حظيت باحترا م وتقدير بالغ من المسئولين و من عامة

الناس أثناء عملي في دولة المارات العربية المتحد ة مما أتا ح لي

فرصة العمل في كل ما ينفع الناس ، وكان عملي الرسمي في

المحكمة قليل أستطيع معه القيا م بأبنشطة أخرى في التعليم والدعو ة

والرشاد وإمامة الناس والخطابة وإعداد الحاديث والبرامج الذاعية

والمشاركة في الندوات والبنشطة الدعوية المختلفة ، وكنت أحرص

على حضور مجالس المسئولين والعيان الذين لهم أثر في المجتمع

بقصد الرشاد والتوجيه وتصحيح بعض المور وأجد قبول ـ ولله الحمد ـ

أسأل الله أل يحرمني من الجر وأن يجعل ما عملته خالصا لوجهه

الكريم .

أما عملي الرسمي فالحق يقال : إن أهل الخليج يمتازون

بدماثة الخل ق ولين الجابنب في الغالب ويحترمون القاضي السعودي

احتراما كبيرا ، لذلك كنت أحرص في القضايا التي يجوز فيها الصلح أن

أبنهي القضية بالصلح ، لكنني ما كنت أعرض الصلح حتى أسمع من

الطرفين وأطمئن أبنه البنسب والقرب للحكم الشرعي لبنني ما إن

أعرض الصلح حتى يقبلوا به في الغالب .

وبنظرا لوجود ظروف معينة فقد طلبت إعادتي إلى المملكة

فعينت رئيسا للمحكمة المستعجلة بالطائف وباشرت العمل فيها

بتأريخ 1410 / 12/ 16 هـ فاختلف حجم العمل وطبيعته ، واختلفت

طبيعة الناس التي ألفتها في الخليج مما تطلب مني الجتهاد في

العمل ، لكنني شعرت بأن جابنبا كبيرا من قضايا المحكمة المستعجلة

يحتاج إلى أبنا ة ومعالجة أسباب وقوع تلك القضايا والتقليل من آثارها

وأبنا اعتبر المحكمة المستعجلة مؤسسة إصلحية وليست لمجرد

العقاب ل سيما تلك القضايا الخاصة بالحداث والشباب ، فينبغي

للقاضي أن يجتهد في استصل ح وتهذيب وتربية من وقعت منهم تلك

القضايا .

إن أغلب القضايا الجزائية تحصل من المراهقين والشباب

وأسبابها في الغالب إهمال السر ة أو تفككها ، أو قربناء السوء وحب

التجربة والمغامر ة ، أو الخطأ الذي قلما يسلم منه أحد ، وهي فيالعاد ة قضايا سهلة في الجراء من الناحية القضائية لبنها مخدومة

بالتحقيق وأصحابها قد لبنت عريكتهم لكنها في بنفس الوقت مؤلمة

ومحزبنة ولها آثار سلبية على الجابني وعلى أسرته وعلى المجتمع ،

ولذلك أرى بأن يكون هم القاضي في المستعجلة هو إصل ح الواقع في

الخطيئة ومحاولة التقليل من الثار السلبية للوقوع في الجريمة ،

وهذا الصل ح قد يكون بالمناقشة والمحاور ة وإشعار الجابني بالخطأ

وبعث الوازع الديني والخلقي عنده وتقدير حجم العقاب قلة وكثر ة

بحسب حال الجابني والجريمة ، وقبوله للرشاد والتوجيه ، ورب تخفيف

في العقاب يكون سببا للستقامة ، وأبنا أرى لو وضع في المحكمة

المستعجلة لجنة مكوبنة من أخصائي اجتماعي ، وبنفسي وأحد طلبة

العلم لتعرض عليها مثل هذه القضايا للبحث في أسبابها ، وكيفية

استصل ح الواقعين فيها ، ويكون ما تقرره استشار ة ومعينا لصحاب

الفضيلة القضا ة لتكون أحكامهم موافقة للمصلحة .

( واذكر هنا بنماذج لبعض القضايا التي عرضت علي وعالجتها

بما كان سببا لصل ح الواقعين فيها من ذلك : كان مجموعة في مركز

حراسة فبلغ أحد أفرادها آمره بأن زميله فلن يروج المخدرات ، فقال

له : أبنا ل أحكم إل على ما أراه ، فقال : ابنتظر هذا في مساء هذا اليو م

، وفي الليل قد م هو والضحية بالسيار ة ولما وقفا أما المركز أعطى

إشار ة وخرج من السيار ة فابنطلق المتواجدون في الموقع عند السيار ة

ووجدوا فيها الضحية وبالقرب منه كيسا به حبوب مخدرات ، فألقي

القبض عليه وحقق معه وأقنع بالعتراف ، وبعد ذلك أحيل للمخدرات

فما وسعه إل العتراف ، وصد ق اعترافه من المحكمة ، ولما حضر

عندي للمحاكمة أبنكر الدعوى وحلف اليمان المغلظة بأبنه برئ ،

وتفرست فيه أبنه صالح ، فقلت له : من يصدقك واعترافك متكرر

ومصد ق من المحكمة ، قال : كان ل بد أن أعترف وأن أصد ق اعترافي

وأبنا في ذمتك . فسألته هل يدخن قال : ل ، فطلبت حضور آمر المركز

فسألته عن سير ة هذا المتهم وهل حوله ما يريب في سلوكه ، فقال :

هو من أفضل الفراد ويحافظ على الصل ة ولم بنعرف عنه سوءا سوى

ما بلغ عنه به زميله وقد عملنا محضرا بما رأينا وسمعنا ، فطلبت حضور

من بلغ عنه فحضر فإذا هو صغير ومظهره ل ينم عن مخبر طيب ،

فسألته هل بلغت عن هذا ، قال : بنعم ، قلت ما حملك على ذلك وهل

أبنت مكلف بمراقبتك ، قال : لست مكلفا بمراقبته ولكن غيرتي على

ديني وبلدي حملني على التبليغ عنه ، فقلت له : إبنك بلغت عنه بأبنه

يروج المخدرات ، فهل تعرف معنى الترويج ، وأبنه البيع والشراء

والهداء والنقل للمخدرات ، قال : أعرف ذلك ، فقلت له : كم مر ة

رأيته يروجها وكيف كان ذلك ، قال : ل أدري ، فقلت له : كيف تقول :

إبنك ل تدري وقد بلغت عنه ، فقال : ل أدري ورفض الجواب ، فقلت له :إذا أبنت ل تعرف عنه إل الحادثة التي قبض عليه فيها ، قال بنعم ، ووقع

على ذلك فظهر لي بأن القضية مكيد ة ول حضت ذلك في الحكم .

ومثل هذه القضية قضية جندي أتى إلى الطائف ليحضر دور ة

تؤهله للترقية ، وفي ذات يو م بلغ أفراد المعسكر بأن يصطفوا

للتفتيش ، فجاء الضابط واتجه إلى هذا الفرد وأدخل يده في جيب

قميصه واستخرج منه قطعة حشيش فألقي القبض عليه وحقق معه

وأحيل للمخدرات ، وفاتته الدور ة وأصبحت ضده قضية قد تقضي على

مستقبله ، ولما حضر للمحاكمة أبنكر الدعوى ، وقال : إبنه ل يعلم بما

وجد معه ، فسألت مرجعه عن سلوكه فاثنوا عليه فلحظت ذلك في

الحكم ، وآخر بلغ عنه زميله بأبنه يستعمل الحشيش ، وقال المبلغ في

بلغه : إبنها توجد قطعة من الحشيش في سيجار ة بحوزته ، فجاؤا

لتفتيشه فوجدوه بنائما ووجدوا تحت وسادته علبة سجائر ووجدوا فيها

حبة واحد ة محشو ة بالحشيش ، فأبنكر علمه بذلك فاستنتجت من صيغة

البل غ أبنه ضحية لمن بلغ عنه ، ولذلك فالقضايا التي منشأها

المعسكرات أدقق فيها لبنها قد تكون كيدية أو مزحة مؤلمة .

وقد جمعت بعضا من القضايا التي رأيت أبنها تحتاج لعناية خاصة

وأبنه يستخلص منها العبر دون أن أذكر أصحابها وجعلتها في كتيب

بعنوان : ( الجابنحون . كيف تعالج قضاياهم ) ، ولو ل أن

المقا م يقتضي الختصار لذكرت بنماذج أخرى من تلك القضايا .

في 1414 / 5 / 21هـ بنقلت من المستعجلة إلى المحكمة

الكبرى بالطائف ، وبقيت فيها إلى 1418 / 3 / 7 هـ وقد استفدت

كثيرا في العمل في المحكمة الكبرى بنظرا لتنوع القضايا فيها وحجم

تلك القضايا مما يتطلب البحث والتدقيق والمذاكر ة مع الزملء ، وقد

استفدت أيضا من الزملء لسبق خبرتهم وكثر ة تجاربهم ، وبعد ترقيتي

إلى قاضي تمييز باشرت عملي في محكمة التمييز بالرياض في 3 / 28

/ 1418 هـ وعملت فتر ة طويلة في دائر ة الحوال الشخصية

والبنهاءات والوقاف واستفدت كثيرا من زميلي في الدائر ة لكوبنهما

قد أمضيا مد ة فيها وهما الشيخ سليمان الموسى والشيخ بناصر

الفريدي ، ثم كلفت بعد ذلك برئاسة الدائة الجزائية الثابنية .

إن محكمة التمييز تعتبر الطابخة للحكا م والمدققة للجراءات

التي بني عليها الحكم من الناحية الشرعية والنظامية ، لذلك تعتبر

مدرسة لمعرفة الحكا م الشرعية وكيفية استنباطها وتطبيقها مع

البنظمة والتعليمات على وقائع القضايا لكن الكم الهائل من القضايا

وحجمها الكبير وكثر ة ملفات القضية التي ينبغي للقاضي المدقق أن

يطلع عليها ويدقق في محتواها ومضموبنها فإن العمل مضن وقد ل

يرتقي إلى المستوى المطلوب الذي يتمناه القاضي حيث لم يكن لدية

الوقت الكافي للتأبني والتمحيص .وإذا كان لي من كلمة توجيهية لمن هو في حاجة إليها من

أصحاب الفضيلة القضا ة فهي احتساب الجر فيما يبذلوبنه من جهد في

بنظر القضايا وأن يتحلوا بالصبر والرفق بالناس ، وأن يحرصوا على

سرعة البنجاز لن التسويف والمماطلة في إبنهاء القضايا من الظلم

والتقصير ، وكذلك تجنب الفظاظة والغلظة في التعامل مع أصحاب

الحاجات ، فل يكون القاضي لينا فيمتهن ول فظا غليظا فينفر الناس

ويبغضوبنه ، بل يكون حازما عند ما يتطلب المر ذلك مع حسن الخلق

في المعاملة ، وليجعل من بنفسه أبنه صاحب القضية فيعامل الناس بما

يحب أن يعامل به ، وليعلم أبنه سيسأل عن قضائه في يو م ل جاه فيه

ول سلطان .

النشاطات العلمية والجتماعية

بعد ما عدت ’لى المملكة لم أجد الوقت الكافي للنشاطات

الخارجة عن دائر ة العمل ، ولذلك كان بنشاطي محدودا لسببين :

أول ـ الساحة مليئة ـ ولله الحمد ـ بالعلماء والكفاءات العالية

في الدعو ة والرشاد ودخول مثلي في الساحة يكون تطفل وعلمي

وخبرتي قد ل ترتقي إلى المستوى المطلوب معهم .

ثابنيا ـ ضغط العمل بحيث يبقى البنسان مشغول إما بالعمل وإما

بالتفكير فيه وإما بالبحث فيما يتعلق به .

لكنني أحاول تنشيط ذهني ببعض المور كالدروس الخاصة

التي يطلبها مني بعض الفراد ، وإعداد بعض الحاديث والبرامج

الذاعية ، والكتابة في بعض المور الدينية والجتماعية التي أجعلها

سببا للبحث وتدوين المعلومات ، وقد تجمع لدي عناوين كتبت فيها

منها ما طبع ، ومنها ما هو جاهز للطبع ، ومنها ما يحتاج إلى مزيد من

البحث والعداد ، فالمطبوع منها :

1 ـ القول السديد في الزواج السعيد : توعية ، موعظة ، أحكا م .

2 ـ قول الرشاد في إبنجاب وتربية الولد : تذكر ة ، توعية ،

أحكا م .

3 ـ العمالة المستقدمة ما لها وما عليها .

وهذا الكتاب هو بسبب تأثري بالقضايا الخاصة بالعمال ، والتي

في بعضها ظلم وإجحاف بحقهم ، أو تلك القضايا التي تحصل من

العمال كرد فعل لما يحصل عليهم من مستقدميهم .

4 ـ منهج السل م في بناء السر ة المسلمة .

ومادة هذا الكتاب كان بربنامجا إذاعيا أذيع من إذاعة القرآن

الكريم بالرياض ، حيث عدلت فيه ليصبح كتابا حتى تعم به الفائد ة .

أما الكتب الجاهز ة للطبع ولم تطبع أو التي كتبتها وتحتاج لمزيد

من التحقيق والتدقيق والتهذيب فهي :

1 ـ فيفاء في الماضي والحاضر . كما رأيتها وسمعت عنها .

وصف بالكلمة وتوضيح بالرسم والصور ة . ـ فيفاء وأطوارها . من خلل أصداء الذكريات لحيا ة بعض

الشخصيات من أبناءها .

3 ـ الخلفة السلمية . وهو موضوع رسالة الماجستير .

4 ـ الباقلبني وأثره في أصول الفقه . وهو موضوع رسالة

الدكتوراه .

5 ـ موضوعات مهمة . في العقيدة ، والعبادة ، والخلق . وهو

يقع في أكثر من مائة حلقة في هذه الموضوعات .

6 ـ الجابنحون . كيف تعالج قضاياهم .

7 ـ محطات وذكريات من حياتي .

8 ـ معجم اللهجة الفيفية ( وهو استقراء وتتبع للمفردات التي

تستعمل في اللهجة الفيفية وبيان معابنيها ، وكنت أود البحث عن

أصلها في اللغة العربية الفصحى لكنني وجدت صعوبة فتركت ذلك

لغيري من المختصين ) .

9 ـ القضاء بين الحق والرفق .

10 ـ صيد الحسنات . من لجة بحر الحياة .

هذا ملخص سير ة حياتي وأسأل الله التوفيق وحسن الختا م ،

وأن يتجاوز عن التقصير والخطاء والثا م وأن يجعل العمال الصالحة

خالصة لوجهه الكريم وصلى الله وسلم على بنبينا محمد وعلى آله

وأصحابه أجمعين . حرر في مكة المكرمة بتاريخ 1427 / 11 / 22 هـ .

بقلم : د / سليمان بن قاسم

الفيفي .